أخر الاخبار

باب في ذكر بعض التنبيهات من متن الجزرية وشرح معانيه

يُعَدُّ متن الجزرية للإمام ابن الجزري – رحمه الله – من أهم المتون في علم التجويد، إذ جمع فيه أصول هذا العلم وقواعده بأسلوبٍ موجزٍ بليغ. 

ومن بين أبوابه المهمة، جاء باب "ذكر بعض التنبيهات" ليضع بين أيدي القارئ والطالب إشارات دقيقة وتوجيهات نافعة، تعينه على إتقان التلاوة وتجنب الأخطاء الشائعة. ويُظهر هذا الباب مدى عناية المؤلف بالتفاصيل الدقيقة التي تضمن سلامة الأداء القرآني وحُسن التلاوة.


باب في ذكر بعض التنبيهات


باب في ذكر بعض التنبيهات


قال الناظم؛ رحمه الله:


فََرَقِّقَنْ مُسْتَفِلًا مِن أَحْرُفِ   وَحَاذِرَنْ تَفْخيمَ لَفْظِ الألِف


بعد أن بين الإمام الجزري مخارج الحروف وصفاتها وبين أهمية التجويد، ذكر بعض التنبيهات التي على قارئ القرآن أن يراعيها عند نطقه لحروف القرآن من خلال تجربته، وتعليمه لطلاب عصره.


وهذا البحث يسميه العلماء من المجّدين والقرّاء تخليص الحروف؛ يعني أن نخلّص كل حرف بحيث لا يتأثر ولا يؤثر على جيرانه بصورة غير صحيحة؛ وهو من أهم أبحاث التجويد وبه تظهر مهارة القارئ وجمال التلاوة. وكل هذا راجع إلى إعطاء الحروف حقها ومستحقها.


فََرَقِّقَنْ


فََرَقِّقَنْ:ٍ فعل أمر مُتْبَعٌ بنون التوكيد الخفيفة.


 مُسْتَفِلًا


 مُسْتَفِلًا: صفة لمفعول به محذوف تقديره حرقًا. أي رقق أيها القارئ حرقًا  مُسْتَفِلًا من أحرف اللغة العربية.


-> الترقيق والتفخيم مصطلحان استعملهما علماؤنا في وصف الحروف العربية.


الترقيق


الترقيق: هو نُحول يعتري الحرف فلا يمتلئ الفم بصداه؛ وذلك لعدم تضيّق الحلق؛ وعدم تصعّد صوت الحرف إلى قبة الحنك. والترقيق مستحق الاستفال.


  • الصوت يخرج من مخرجه مباشرة إلى خارج الفم ولا يمرّ على قبة الحنك.


  • مستحق على وزن مستفعل وهو ما يترتب على الحق؛ فالاستفال حق الحرف والترقيق مستحق الاستفال.


الألف واللام والراء



 الأصل في الأحرف المستفلة الترقيق وخالفت هذه القاعدة ثلاثة أحرف (الألف واللام والراء) فهي تفخّم أحيانًا.


 التفخيم


أما التفخيم: هو سِمَنْ يعتري الحرف فيمتلئ الفم بصداه؛ وذلك لتضيّق الحلق، وتصعّد صوت الحرف إلى قبة الحنك. والتفخيم مستحق الاستعلاء.


1. وحاذرن تفخيم لفظ الألف


أولًا - وحاذرن تفخيم لفظ الألف:


وحاذرن


وحاذرن: هو فعل أمر مُتْبَع بنون التوكيد الخفيفة. وقول الإمام الجزري: "وحاذرن تفخيم لفظ الألف" ليس على إطلاقه وإنما احذر تفخيم لفظ الألف إن سْبقت بحرف مرقق نحو:


(بسمِ الله)، (قلِ اللَّهم)، (إيَّاك)، (منَّ السَّماء)، (النَّاس).


أما الألف المسبوقة بحرف مفخم فيجب تفخيمها؛ نحو:


(خَالدين)، (والقَائمين)، (ولا الضَّالّين)، (منَ الله)، (يُراؤون).


والأصل في الألف أنها مرققة ومستفلة وتفخم إن سْقّت بحرف مفخم. ويصاحب الألف المفخمة تقعر لوسط اللسان وتضيّقٌ في الحلق بخلاف المرققة.


قال الإمام الجزري في النشر: "وأما الألف فالصحيح أنها لا توصف بترقيق ولا تفخيم؛ بل بحسب ما يتقدمها، فإنّها تتبعه ترقيقًا وتفخيمًا".


س: لماذا تتبع الألف ما قبلها ترقيقًا وتفخيمّ؟


ج: لأن الألف ما هي إلا امتداد لفتحة الحرف الذي قبلها، ولأن الألف ليس لها مخرج محقق  تنتهي عنده.


الهمزة مرققة دائما


الهمزة مرققة


وهمز؛ لام؛ والميم


(وهمز؛ لام؛ والميم): هذه الكلمات كلها منصوبة لأنها معطوفة على (مستفلًا). أي: رققن همز؛ رققن لامَ؛ رققن ميمّ.


ثانيَا - وَهَمْر


هنا أكد ابن الجزري أنّ الهمزة لا تفخم في هذه الكلمات: آلْحَمْدُ أَعُوذْ؛ اهْدنَا، الله.


فالهمزة مرققة سواء جاورها حرف مفخم كما في لفظ «أَطَّلَعَ» «أَظلم» «أرَءيتَ» «أَضَلَّنا»


أم جاورها حرف مرقق كما في «أَحَقٌّ هُو» «أحَطتُ» «أحَاطَ».


ثالثًا - ثم لام


لله: عدم تفخيم لام (لِلَّه)؛ ولا بد في لفظ (لِلَّه) من تحقيق مخرج اللام الأولى وإتمام كسرتها قبل الانتقال إلى اللام الثانية ولا بِدّ من مراعاة زمن البينية في اللام الثانية المشددة.


 لَنَا


 لَنَا: وعدم تفخيم لام (لَتا»؛ ولا بد من تحقيق مخرج اللام وعدم إدخال اللام في النون.


وَلْيَتَلَطَّفْ


وَلْيَتَلَطْفْ: وعدم تفخيم اللام الثانية من «وَلْيَتَلَطْفْ» لمجاورتها الطاء المفخمة.


وَعَلَى اللَّهِ


وَعَلَى اللَّهِ: أيضا عدم تفخيم اللام في (على) وذلك لمجاورتها لام لفظ الجلالة المفخّم (وَعَلَى اللَّهِ) فالأولى مرققة والثانية مفخمة؛ وذلك أن اللام إذا جاورت حرقًا مفخمًا يجب ترقيقها.


ولا الضْ


ولا الضْ: إشارة إلى قوله تعالى «وَلَا آَلضَّآلِينَ»؛ وقطع الناظم الكلمة للضرورة الشعرية. وهنا يحذّر النّاظم من تفخيم اللام ولا بدّ من ترقيقها وذلك لمجاورتها الضاد المفخمة.


رابعًا - والْمِيمَ


من مَخْمَصَةٍ


من مَخْمَصَةٍ: ورقق الميم الأولى والثانية من كلمة (مَخْمَصَةٍ) وذلك لمجاورة الميم الأولى الخاء المفخمة؛ وكذلك لمجاورة الميم الثانية الخاء والصاد المفخمتين. فكلتا الميمين عرضة للتفخيم ولكن الميم الثانية أشدّة عرضة له لأنها وقعت بين مفخمين.


وَمِنْ مَرَضْ


وَمِنْ مَرَضْ: ورقق الميم من كلمة (مَرَضْ) وذلك لمجاورة الميم الراء والضاد المفخمتين.


الباء في كلمة بَرق


الباء في كلمة بَرق

بَرْقٍ


بَرْق: يجب ترقيق الباء في كلمة (بَرْقٍ) لمجاورتها الراء والقاف المفخمتين ولا بد من ترقيق الباء وتفخيم الراء.


بَاطِلٍ


بَاطِلٍ: أيضًا يجب ترقيق الباء في كلمة (بَاطِلٍ) لمجاورتها الطاء المفخمة وإن حال بينهما الألف.


بِهِمْ


بِهِمْ: أي يجب ترقيق الباء في (بهم) وتحقيق مخرج الهاء الرخوة والانتباه إلى عدم إدماجها مع الباء والميم.


بِذِي


بِذِي: أي يجب ترقيق الباء في (بِذِي) وتحقيق مخرج كلّ من الباء بإعطائها صفة الشدّة والذال بإعطائها صفة الرخاوة.


صفات الباء والجيم

صفات الباء والجيم

وَاحْرص عَلَى الشِّدَّةِ وَالْجَهْر الّذِي فِيهَا وَفِي الْجِيم


وَاحْرص عَلَى الشِّدَّةِ وَالْجَهْر الّذِي فِيهَا وَفِي الْجِيم: يتحدث الناظم في هذين البيتين عن صفتين من صفات الباء والجيم وهما الشدة والجهر. و(فيها) تعود على الباء.

وكما ذكرنا في باب الصفات فإن:


الشدة


الشدة: هي انحباس جريان الصوت عند النطق بالحرف الشديد نتيجة غلق المخرج لكمال الاعتماد عليه.


الجهر


والجهر: هو الوضوح في السمع نتيجة تضام الوترين الصوتيين واهتزازهما وانحباس كثير لهواء النفس.


كَ: حُبَ الصَبْر رَبْوَةٍ، اجْتْثَّتْ، وَحَجِّ الْفَجْرِ


كَ: حُبَ الصَبْر رَبْوَةٍ، اجْتْثَّتْ، وَحَجِّ الْفَجْرِ: ذكر الناظم بعض الأمثلة على ذلك:

  •  حب، الصبر، ربوة (أمثلة على الباء).


  • اجتثت؛ حجّ؛ الفجر (أمثلة على الجيم).


تنبيهات


  • يجب على القارئ عند نطق الباء الفصيحة أن يحبس كلًَا من الصوت والنفس فينطق الباء شديدة مجهورة وكذلك في الجيم.


  • التفريط في شدة الباء يضعف صوتها لدى السامع.


  • التفريط في جهر الباء يحولها إلى (م) وهو ليس من حروف العربية.


  • التفريط في شدة الجيم يؤدي إلى نطق جيم رخوة غير فصيحة؛ وذلك بسبب عدم كمال غلق مخرجها ومن ثم عدم حبس صوتها خلف اللسان.


  • التفريط في جهر الجيم يحولها إلى جيم مهموسة قريبة من صوت الشين.


ومن أمثلة الحروف الشديدة المجهورة أيضًا الدال؛ فالتفريط في جهر الدال مثلًا يحولها إلى تاء فيقول "مالك يوم التين" بدلًا من «آلدِّين» فالدال مجهورة والتاء مهموسة.


القلقلة

القلقلة


مقلقلًا


مقلقلًا: رُويت لنا عن ابن الجزري بوجهين:


مقلقَلًا


مقلقَلًا: (القاف مفتوحة) على وزن مُفَعْلَلًا اسم مفعول وهي صفة لمفعول به محذوف تقديره حرقا.


مقلقِلًا


مقلقِلًا:ِ (القاف مكسورة) على وزن مُفَعْلِلَا اسم فاعل وهي حال، أي (بيّْنْ حالة كونك أيها القارئ مُقلْقِلًا).


وَبَيِّنَنْ مُقَلْقََلاً إِنْ سَكَنَا


وَبَيِّنَنْ مُقَلْقََلاً إِنْ سَكَنَا: بَيِّنَنْ: فعل أمر والنون الثانية نون التوكيد الخفيفة، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت. أي: بيننْ أنت أيها القارئ الحرف المُقَلْقَل في حال السكون، وذلك إذا كان الحرف المقلقل وسط الكلمة أو الكلام. وهذه هي القلقلة الصغرى.


نحو: (يقْضى)، (يُطعِمُ)، (يُبْصِرُون)، (وَتجْعَلُونَ)، (يَدْخُلُونَ)، (قدْ خَرَجُوا بِهِ ).


وَإِنْ يَكُنْ في الْوَقْفٍ كَانَ أَبْيَنَاِ


وَإِنْ يَكُنْ في الْوَقْفٍ كَانَ أَبْيَنَاِ: أي: عند الوقف على الحرف المقلقل تكون القلقلة أبين وأوضح.


نحو: (الفلق)؛ (مُحيط)؛ (كسَب)، (بَهيج)؛ (أحَد) أواخر هذه الكلمات حروف القلقلة كلها مخففة.


وقد تكون أواخر الكلمات حروف قلقلة مشددة والقلقلة تكون للحرف الثاني من المشدد وليس للحرف الأول المدغم. نحو: (حَقّ) و(تبّ)، (الحجّ)، (أشدّ) وليس في القرآن طاء مشددة متطرفة وهذه هي القلقلة الكبرى.


وقد تقدم الكلام عن القلقلة من حيث تعريفها وآليتها، والفرق بين الساكن والمقلقل والمتحرك، عند قول إمامنا ابن الجزري في البيت 24:


فالقلقلة


قلقلة

فالقلقلة: هي إخراج الحرف المقلقل. حالة سكونه؛ بالتباعد بين طرفي عضو النطق دون أن يصاحبه شائبة حركة من الحركات الثلاث. وحروفها يجمعها (قطب جد). وهي صفة عرضية تعرض لحروف قطب جد إن سكنت فقط لشدتها.


هذه الحروف الخمسة تنطقها العرب إن سكنت مهتزة للتخلص من الشدة والإزعاج الحاصل في جهاز النطق بالتباعد بين طرفي عضو النطق دون أن يصاحبها شائبة حركة من الحركات الثلاث (فتحة أو ضمة أو كسرة).


ترقيق حاء

ترقيق حاء

واحرص عل ترقيق الحاء عند مجاورتها لحروف التفخيم ف الكلمات التالية:


يجب ترقيق حاء حَصْحصَ


  • يجب ترقيق حاء حَصْحصَ: الأولى والثانية فالأولى مجاورة لصاد مفخمة والثانية أكثر عرضة للتفخيم لأنها واقعة بين صادين مفخمتين. وفي حالة عدم انتباه القارئ يمكن أن يفخم الحاء فتخرج الحروف الأربعة مفخمة، (قَالتِ امْرَأَتُ آلْعَزيز ألان حَصْحَصَ الحقّ) [يوسف: 51].


  • وكذلك يجب ترقيق الحاء في أحطتُ لمجاورتها حرف الطاء المطبقة المستعلية؛ وفيها إدغام ناقص لذا عند قراءتها نطبق على الطاء ونفتح على التاء، (فقال أحطتُ بما لمْ تُحِطْ بِهِ) [النمل: 22].


  • وكذلك يجب ترقيق الحاء في الْحَقّ لمجاورتها حرف القاف المستعلي.


ترقيق السين


واحرص عل ترقيق السين عند مجاورتها لحروف التفخيم في الكلمات التالية:


  • يجب ترقيق سين مُسْتَقيم. القاف هنا مفخمة حتى ولو كانت مكسورة فهي في أقل مراتب التفخيم؛ وذلك لأن القارئ إذا لم يحرص على ترقيق السين في (مُسْتَقيم) سوف يجعل القاف تُؤثر في التاء فتحولها إلى طاء؛ ثم إن هذه الطاء الجديدة ستؤثر في السين التي قبلها فتحولها إلى صاد.


  • يجب ترقيق سين يَسْطُو لمجاورتها حرف الطاء المطبقة المستعلية (يَكَادُونَ يسْطون بالَّذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءايَاتِنَا) [الحج: 72].


  • وسين يَسْقُو يجب ترقيقها وعدم تفخيمها لمجاورتها حرف القاف المستعلي «وَلَمَا وَرَدَ مَآءَ مَدْينَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ آلنَّاسِ يَسْقُونَ [القصص: 23].


  • « في كلمتي يَسْطُو وِيَسْقُو: احتمال أن يسبق اللسان إلى تفخيم السين في يسطو أكبر من احتمال أن يسبق اللسان إلى تفخيم السين في يسقو؛ والسبب: أن الطاء مطبقة مستعلية؛ بينما القاف مستعلية فقط وليست مطبقة بل منفتحة.


ختاما


باب "ذكر بعض التنبيهات" في متن الجزرية ليس مجرد إضافات ثانوية، بل هو باب جوهري يُنبه الدارس إلى أصول دقيقة وأساسية في علم التجويد. 

ويعكس هذا الباب عمق فهم الإمام ابن الجزري لاحتياجات طالب العلم، وحرصه على أن يُتقن قارئ القرآن أداءه على أكمل وجه. لذا فإن التمسك بما جاء فيه والعمل بتلك التنبيهات يُعد خطوةً مهمة لكل من يسعى إلى إتقان تلاوة كتاب الله الكريم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -