يُعَدّ علم التجويد من أهم العلوم الشرعية المتعلقة بكتاب الله تعالى، إذ به يُصان اللسان عن الخطأ واللحن في تلاوة القرآن الكريم، ويُعطى كل حرف حقه ومستحقه من المخارج والصفات.
ومن أبرز ما أُلِّف في هذا العلم منظومة المقدمة الجزرية للإمام ابن الجزري، التي صارت مرجعًا أساسياً للمتعلمين والقراء عبر القرون. وقد خَصَّ الإمام فيها بابًا لشرح أحكام التجويد بأسلوبٍ نظميٍّ سلسٍ يجمع بين القواعد الدقيقة والعبارات المختصرة، مما ساعد على سهولة الحفظ والفهم.
باب التجويد
قال الناظم رحمه الله:
والْأخْذُ بالتَّجْويدِ حَتْمٌ لازِمُ مَنْ لَمْ يُصَحِّحِ الْقُرآنَ آثِمُ
التجويد
لغة
لغة: التحسين. جود يجوّد: حسّن؛ يحسّن.
اصطلاحًا
اصطلاحًا: هو علم يعرف به النطق الصحيح للحروف العربية وذلك بمعرفة مخارجها وصفاتها الذاتية والعرضية وما ينشأ عنها من أحكام.
وهو تلاوة القرآن الكريم بإعطاء كل حرف حقه ومستحقه (إن وجد).
والتجويد على وزن تفعيل ووردت في القول المنسوب إلى سيدنا عليّ، رضي الله عنه؛ عندما سُئِل عن قوله تعالى: «وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرتِيلًا» [المزمل: 4] قال: "هو تجويدُ الحروف ومعرفة الوقوف".
والأَخْذُ بالتَّجْويدِ حَتْمٌ لازمُ
والأَخْذُ بالتَّجْويدِ حَتْمٌ لازمُ: أي العمل بالتجويد واجب ولازم ومفروض لقارئ القرآن الكريم.
حكم الالتزام بالتجويد
الناس في هذا الأمر بين متشدد ومتساهل وحتى يكون الكلام دقيقًا فإننا نفرق فيه بين ما يلي:
1. مخارج الحروف
1. مخارج الحروف: الالتزام بها واجب والإخلال بها حرام مطلقًا كتغيير حاء (الرَّحْمن) خَاءً أو هاءً.
أما من كان لا يجيد نطق حرف من الحروف العربية وبعد بذل الجهد فهو معذور أمام الله تعالى، ويجوز له أن يقرأ لنفسه؛ ولا يجوز له أن يُعلِّمِ أو يؤم في الصلاة.
2. صفات الحروف
2. صفات الحروف: وتنقسم إلى قسمين:
أ. صفات تغييرها يخرج الحرف عن حيزه
الالتزام بها واجب؛ والإخلال بها حرام مطلقًا. كتفخيم سين (عَسىَ) وترقيق صاد (عصَى) وترقيق طاء (الطلَاقَ) وتفخيم تاء (التَّلاقِ) وذلك مع الاستطاعة.
ب. صفات تزيينية تحسينية
كترقيق الراء المفتوحة والمضمومة نحو: (الرَّحمان الرَّحِيم) وعدم تبيين الهمس والتفشي وعدم تطويل زمن الحرف الرخو الساكن مقارنة بالشديد؛ وكل ما اصطلح عليه العلماء باسم اللحن الخفي فَيُفرّق فيه بين حالتين:
1 على سبيل التلقي والمشافهة
الالتزام بها واجب؛ والإخلال بها حرام، لأنه كذب في الرواية.
2. على سبيل التلاوة المعتادة
2. على سبيل التلاوة المعتادة: يُفرّق فيه بين حالتين:
شخص متقن عالم بالأحكام
أ. من شخص متقن عالم بالأحكام: مَعيبٌ في حقه.
عامة المسلمين
ب. من عامة المسلمين: تَرَك الأكمل ولا شيء عليه.
مَنْ لَمْ يُصََح القُرآنَ آثِمْ
مَنْ لَمْ يُصََح القُرآنَ آثِمْ:
- رواية أخرى منقولة عن الناظم؛ وهي "من لم يجود القرآن آثم". قال د. أيمن سويد: عدلت إلى نسخة أخرى "من لم يصحح"؛ لأنه يوجد نسخة في مكتبة "لا للي" في إسطنبول عليها خط الإمام ابن الجزري وإجازة بخطه؛ مكتوب فيها (من لم يصحح).
- (من لم يجود) دخل فيها كل أحكام التجويد؛ والبيان أنه ثمة أشياء في التجويد لو تركها القارئ لا يأثم وإنما يكون قد ترك الأكمل.
- (من لم يصحح القران آثم) أي من لم يقرأ القرآن قراءة صحيحة وذلك بأن تكون سالمة من تغيير المعنى وتغيير الإعراب وهو ما يسمى اللحن الجلي. وهذه الرواية هي الأصح لأن في ذلك تخفيف على الأمة.
اللحن في تلاوة القرآن الكريم
ما هو اللّحن لغة؟
اللّحن لغة: الميل عن الصواب.
ما هو اللّحن اصطلاحًا؟
اصطلاحًا: الخطأ في تلاوة القرآن الكريم.
وينقسم إلى قسمين: 1- اللحن الجليٌُ 2- اللحن الخفِيُّ.
1. ما هو اللحن الجلي؟
1. اللحن الجلي: هو خطأ يَعْرِضْ لِلَفظ فَيُخِلُّ بالمعنى أو بالإعراب نحو:
(أَنْعَمْتُ عليهم) بضم التاء بدلا من (أَنْعَمْتَ عليهم) بفتح التاء.
(فَكَسَّرَكُم) بدلا من (فَكَثَّرَكُم).
(عَصَى) بدلا من (عَسَى).
(بسمِ اللهُ الرَحْمَنَ الرّحيمِ) بدلا من (بسمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرّحيمِ).
2. ما هو اللحن الخفيٌُ؟
2. اللحنُ الخفيٌُ: هو خطأ يعْرِضُ للّفظ فَيُخْلُّ بكمال صفاته دون أن يخرجه عن حيزه؛ نحو:
(سوء العذَاب) ترك زيادة المد في الواو.
(أنفُسَكُم) بإظهار النون بدلا من إخفائها.
ولا بد أن تكون التلاوة (في مقام التَّلَقِّي والمشافهة) سالمة من كلا اللّحنين.
لأَنَّهُ به الإلَهُ أَنْزَلا وَهَكَذَا مِنْهُ إلَيْنَا وَصَلا
لأَنَّهُ به الإلَهُ أَنْزَلا
لأَنَّهُ به الإلَهُ أَنْزَلا: الضمير في (لأنه) يعود على القرآن؛ وفي (به) يعود على التجويد؛ أي أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم مجودًا.
أنزلا
أنزلا: الألف تسمى ألف الإطلاق تستعمل في الشعر، أصلها (أنزل) فعل ماضٍ ولكن يشبعون الفتحة فيتولد منها ألف وهذا جائز في الشعر.
وهكذا منه إلينا وصلا
وهكذا منه إلينا وصلا: أي أنه من الله تعالى، وهكذا لفظه رسول الله؛ وهكذا وصل إلينا القرآن العظيم عن طريق مشايخ عارفين وأئمة محققين اتّصل سندهم بالنبي، عن جبريل عليه السلام عن الله عزّ وجلّ؛ وهذا ما يُسمّى بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما هو السند المتصل؟
وللسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية كبيرة: فهو الذي حفظ لنا النص القرآني كما نُقِلَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبالتالي يستحب السعي لعلو السند مع الدقة والإتقان.
وكما أشرنا سابقًا في باب المقدمة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بلغ الأمّة القرآن العظيم بطريقتين:
1. مكتوبًا (مدونًا).
2. ومنطوقًا (النقل الصوتي).
وقد وصلنا القرآن بالطريقتين السابقتين متواترًا.
وَهُوَ أَيْضًا حِلْيَةُ الِتلاوَةِ وَزِينَةُ الَأَدَاءِ وَالْقَِرَاءَةِ
وَهُوَ أَيْضًا
وَهُوَ أَيْضًا: وهو (بضم الهاء): أي التجويد.
حِلْيَةُ الِتلاوَةِ
حِلْيَةُ الِتلاوَةِ: أي زينتها.
وَزِينَةُ الَأَدَاءِ وَالْقَِرَاءَةِ
وَزِينَةُ الَأَدَاءِ وَالْقَِرَاءَةِ: أي إن التجويد حلية وزينة لكلِّ من التلاوة والأداء والقراءة.
ما الفرق بين التلاوة، الأداء والقراءة؟
س: ما الفرق بين الكلمات الثلاث الآتية؟
التلاوة؛ الأداء؛ القراءة.
الأَدَاءِ
الأَدَاءِ: هو أخذ القرآن وتلقيه عن الأئمة القرّاء.
التِّلاوَةِ
التِّلاوَةِ: هي قراءة القرآن متتابعًا كالأوراد والدارسة.
قراءة القرآن
قراءة القرآن: تطلق على كل من التّلاوة والأداء.
ما هي سرعات تلاوة القرآن؟
لتلاوة القرآن الكريم ثلاث سرعات؛ وهي:
1. التحقيق
1. التحقيق: هو البطء في التلاوة من غير تمطيط بحيث يُعطى كل حرف حقه ومستحقه من المخارج والصفات وتُعطى الحركات أزمنتها.
2. التدوير
2. التدوير: هو التوسط في سرعة التلاوة؛ وأول من أحيا سنة القراءة بالتدوير هو الشيخ محمود خليل الحصري؛ رحمه الله؛ وهذه القراءة تعين على فهم المعاني أكثر من التحقيق، لأنه أحيانًا من كثرة ما يطيل القارئ تتقطع المعاني ويضيع المعنى.
3 الحدر
3 الحدر: هو السرعة في التلاوة من غير دمج للحروف.
ويعم الثلاثة مصطلح الترتيل؛ لأنه: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف؛ ولا غنى لقارئ القرآن عن الترتيل مهما كانت سرعة قراءته.
وَهُوَ ِإِعْطَاءُ الحُرُوفِ حَقَّهَا مِنْ كُلِّ صِفَةٍ وَمُسْتَحَقَّهَا
وَهُوَ
وَهُوَ: (بضم الهاء)؛ وهو عائد على التجويد؛ ثم أتى تعريفه:
إعْطَاءُ الْحُرُوف حَفَّهَا مِنْ كُلَ صِفةٍ ومستحقها أي التجويد هو:
إعطاء الحروف حقها بإخراجها من مخرجها الصحيح مع صفاتها اللازمة من همس وجهر وشدة ورخاوة ونحوها. وإعطاؤها أيضا مستحقها، وهو ما يترتب على حقها، كقولنا: التفخيم مستحق الاستعلاء والطول النسبي لزمن الحرف الرخو الساكن مستحق الرخاوة؛ وزيادة التفخيم مستحق الإطباق.
صفة الحرف
صفة الحرف: هيئته حالة خروجه من مخرجه.
-> وليس بالضرورة أن يكون لكل صفة (الحق) مستحق؛ فمثلًا (القلقلة؛ الصفير، التفشي) ليس لها مستحق.
ويصح عود الضمير في (ومستحقها) على الحروف أو على الصفة؛ (ويميل د .أيمن سويد إلى عود الضمير إلى الصفة).
وَرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ لأَصْلِه واللَّفْظُ فِي نََظِيرِه كَمِثْلِهِ
وَرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ لأَصْلِه
وَرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ لأَصْلِه: أي رد كل حرف إلى مخرجه الأصلي.
واللَّفْظُ فِي نََظِيرِه كَمِثْلِهِ
واللَّفْظُ فِي نََظِيرِه كَمِثْلِهِ: هذه القاعدة من أهم قواعد علم التجويد؛ لتعلقها بكل أبحاثه.
وخلاصتها: إذا لفظ القارئ بحرف ثم مر معه نظيره فعليه أن يلفظ بالثاني كما لفظ بالأول، وهو ما يسمى اليوم في الدراسات الأكاديمية (توحيد المنهج).
ويقول د. أيمن سويد: هذا الشطر من البيت (واللفظ في نظيره كمثله) لا بدّ أن يُكتب بماء الذهب لأنه تقريبًا قرابة نصف علم التجويد؛ فأجمل ما تكون التلاوة متناسقة ومتساوية ومتناظرة؛ فمعيب على القارئ أن يأتي مذّ متصل فيمده بمقدار ما، ثم يأتي عليه مِدّ متصل آخر فيغير الميزان؛ أو يخفي نونًا ويظهر نونًا أخرى إذا أتى عليه موضعا إخفاء متتاليان.
مُكمِّلاً من غَيرِ ما تَكلُّفِ باللُّطْفِ في النُّطْقِ بلا تَعَسُّفِ
إمَّا تُقرأ مُكَمَّلاً: اسم مفعول عائد على الحرف (أي: حالة كون الحرف مُكَمَّلَاً).
أو تُقرأ مُكَمِّلاً اسم فاعل عائد على القارئ (أي: حال كون القارئ مكمِّلًا الحرف مُعطيًّا إياه صفاته الكاملة مَخْرجًا وصِفَةً ومستحق الصفة).
مِنْ غَيْر مَا
مِنْ غَيْر مَا: ما زائدة للتوكيد.
تكلّف
تكلّف: التكلف في القراءة له حالتان:
1. تكلّف مطلوب: وهو محاكاة (تقليد) نطق العرب في زمن النبوة.
2. تكلف مذموم: وهو التصنع الممجوج في السمع لخروجه عن الحد، أو هو التنطع في القراءة.
باللُّطْفِ في النُّطْقِ بلا تَعَسُّفِ
باللُّطْفِ في النُّطْقِ بلا تَعَسُّفِ، باللطف (وفي نسخه باللفظ)؛ واللطف هو أن يكون النطق لطيفًا والحروف هادئة واضحة بلا تعسف أي ليس بها تقر ولا شدّ أعصاب.
فالناظم؛ رحمه الله؛ يدعو إلى القراءة المتوازنة الواضحة الليّنة البعيدة عن التقعّر وشدّ الأعصاب وعن الحركات الكثيرة أثناء التلاوة (كتغميض العينين، تقطيب الجبين، أو حركة أي عضو أثناء التلاوة).
قال الإمام حمزة: (إذ القراءة كالبياض إن قل صار سمرة؛ وإن زاد صار برضًا).
ومما يذكر في هذا الشأن أبيات الإمام السخاوي الآتية:
وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَزكِهِ إلا رِيَاضَةُ امْرِئٍ بِفَكِّهِ
وَلَيْسَ بَيْنَهُ: (أي التجويد).
وهذا الكلام استقاه ابن الجزري من كلام الإمام أبي عَمْرو الداني في كتابه (التحديد في الإتقان والتجويد)؛ وبيّن فيه أن رياضة الفم أساس لأن الفم عبارة عن عضلات. (فالعضلات تفقد مرونتها إن عادت لطبيعتها القديمة وصار فيها يبوسة).
ما هما شقّا علم التجويد؟
فعلم التجويد شقّان:
شق نظري
شق نظري: بأن يتعلم الإنسان قواعد التجويد نظريًا.
شق عملي تطبيقي
وشق عملي تطبيقي: وهو أن يروض لسانه وفكيه وعضلات فمه على نطق الحروف القرآنية نطقًا صحيحًا، ليس به تأثر بلغة غير العربية ولا بلهجة محلية ولا بد أن يكون نطقه مطابقًا للموصوف المنقول عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهذا يحتاج إلى رشاقة وتدريب.
قال الإمام ابن الجزري في النشر
قال الإمام ابن الجزري في النشر: "ولا أعلم سببًا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد ووصول غاية التصحيح والتسديد مثل رياضة الألسن؛ والتكرار على اللفظ المتلقّى من فم المحسن...
فليس التجويد بتمضيغ اللسان؛ ولا بتفعير الفم؛ ولا بتعويج الفك؛ ولا بترعيد الصوت؛ ولا بتمطيط الشدّ، ولا بتقطيع المدّ؛ ولا بتطنين الغنّات؛ ولا بحصرمة الراءات قراءة تنفر عنها الطباع؛ وتَمُجُّها القلوب والأسماع؛ بل القراءة السهلة العذبة الحلوة اللطيفة التي لا مضغ فيها ولا لَوْك، ولا تعسُف ولا تكلف؛ ولا تصنّْع ولا تنطع؛ ولا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء، بوجه من وجوه القراءات والأداء".
تمضيغ اللسان
٠ تمضيغ اللسان: مأخوذ من المضغة (علك اللسان بالفم).
تقعير الفم
٠ تقعير الفم: يملأ فمه كأنه يتكلم من قعر فمه.
تعويج الفك
٠ تعويج الفك: أن يأخذ فكه يمينا ويسارًا.
ترعيد الصوت
٠ ترعيد الصوت: صوته يرتجف.
تمطيط الشدٍ
٠ تمطيط الشدٍ: أن يكون الحرف مشددًا فيبطئ بالقراءة حتى كأنه فك الإدغام (يقطع الشدة).
تقطيع المد
٠ تقطيع المد: كتقطيع مد الواو في أَتحاجُونّي فيخرج أكثر من واو.
تطنين الغنات
٠ تطنين الغنات: تقطيع الصوت بالغنات (وهو محمود في الغناء وليس في القرآن ويسمّونه العُرَب).
حصرمة الراءات
٠ حصرمة الراءات: (مشتقة من الحصر) جعلها ضيقة المخرج جدًا حتى يكاد ينقطع صوتها عدم ترك الفجوة عندما يتقعر اللسان عند لفظ الراء ليخرج منها الصوت.
حكم قراءة القرآن الكريم بالألحان
القرآن العظيم كلام الله تعالى؛ والعلماء قالوا إنَّ الكلام العربي ثلاثة: نثر وشعر وقرآن.
نثر
نثر: هو الكلام العادي الذي يتكلم به الناس. وهو منضبط بميزان يُسمى الميزان الصرفي استنبطه العلماء من كلام العرب ليبينوا الحرف الأصلي من الحرف الزائد في كلام العرب.
مثال: دَرَسَ بوزن فَعَلَ؛ دارس بوزن فاعل.
شعر
وشعر: هو كلام عربي له ميزان زائد على الميزان الصرفي يضبط الكلام. وقد قام الخليل بن أحمد الفراهيدي باستنباط الأوزان التي كانت العرب تنظم عليها أشعارها بالفطرة؛ فألّف لنا علم العروض وفيه ما يسمى بالبحور الشعرية (مثل البحر الطويل وبحر الرجز والبحر البسيط والبحر الكامل...).
قرآن
وقرآن: القرآن العظيم كلام الله تعالى ما هو بنثر ولا بشعر؛ نزل ليكون دستورًا للبشرية إلى قيام الساعة؛ والله سبحانه وتعالى أنزله على الكلام العربي بإدغامه وإخفائه وهمسه وقلقلته وتفشيه وكل ما فيه من الأحكام التي تُسمى علم التجويد.
وحتى تتعشقه النفوس أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرأه بصوت حسن فقال: "زيّنوا القرآن بأصواتكم"؛ وقال: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" أي: يُحسّن صوته.
والقرآن العظيم؛ كما أنزله الله تعالى وبلّغه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة؛ فيه موازين صوتية لتطوي الصوت في مكانين وهما: المدود؛ والغنة مع حرفي النون والميم.
وقد ضبطها علماؤنا بأزمنة معينة في الغنن وفي المدود.
الموسيقى
أما الموسيقى فلها ميزان خاص, فهي علم صوتي أعجمي له قواعده وضوابطه؛ ومن أهم أبحاثه:
1. طبقات الصوت المختلفة 2. أزمنة التطويل.
للتوضيح نذكر مثالا على ذلك:
البيت الذي استقبل به الأنصار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة المنورة: "طلع البدر علينا من ثنية الوداع"؛ حين يُعْلَّى فإنَّ الحركات على الكلمات تُشبَع (الفتحة تُمط فيتولد منها ألف فتصبح طلع: طالاعا) فنرى الميزان النغمي من حيث الزمن أفسد الميزان الصرفي لأن (طَلَعَ بوزن فُعَلَ) لكن (طالاعا بوزن فاعالا) أي دخلت ثلاثة حروف على الكلمة (ثلاث ألفات).
وأيضًا ثنية بالمفرد وهي منطقة في المدينة معروفة إلى الآن تُصبح ثنيات فتحول المفرد إلى جمع لأن الموسيقى زادت ألفا في ثنية فأصبحت ثنيات.
كيف يتقاطع مبحثا الموسيقى مع علم التجويد؟
ويتقاطع مبحثا الموسيقى مع علم التجويد:
- أما الطبقات الصوتية: فلا مائع من أن ينتقل قارئ القرآن من طبقة إلى أخرى؛ إذا كان ذلك من حرف إلى حرف.
- وأما ضمن الحرف الواحد؛ كحروف المد والغنّات؛ فعلى القارئ أن يلتزم في الواحد منها بطبقة صوتية واحدة؛ لأن الإخلال بذلك يقطّع الحرف إلى حروف عديدة؛ وقد نهى الأئمة عن ذلك.
- وأما تطويل المد والغنن: فعلى القارئ أن يلتزم بالموازين التي ذكرها الأئمة القراء في ذلك؛ فإن أخل بها مقدمًا الحكم الموسيقي عليها أثم. (يأثَمُ القارئ والمستمع الراضي بذلك بإجماع من علماء الأئمة).
- فالألحان الموسيقية لا يمكن أن تتفق مع تلاوة القرآن الكريم لأنها تتعارض في أمر الزمن، وتتعارض في أمر الطبقات الصوتية.
- وقد أمرنا بقراءة القرآن الكريم بلحون العرب وأصواتها، وهي القراءة بالطبع والسليقة كما جُبلوا عليه.
مخالفات قارئي القرآن بالمقامات الموسيقية
1. ترعيد المدود وترقيصها.
2. تطويل المد عن حده.
3. تقصير المد عن حده.
4. تطنين الغنن وترقيصها.
5. تطويل الغنن عن حدها.
6. تقصير الغنن عن حدها.
7. تطويل الحركات وإشباعهاء بحيث يتولد منها حرف مد.
8. تقصير الحركات عن حدها بحيث تصير مختلسة.
9. تطويل زمن الحرفين البيني والرخو الساكنين عن حدهما المطلوب بحيث يصيران كأنهما ممدودان.
10. توهين بعض الحروف وتمييع أصواتها.
11. الضغط الزائد على بعض الحروف مما يؤدي إلى تغيير أصواتها (كالذي يقرأ مقطعًا قرآنيًا كبيرًا بنفس واحد فيضغط بعض الحروف التي تحتاج إلى هواء؛ كالهاء عند نطقها تستهلك كمية كبيرة من الهواء فيأتي بها القارئ بأضعف ما يكون؛ وأيضا الخاء مهموسة تحتاج إلى هواء والضغط عليها لتوفير الهواء يؤدي إلى تغيير صوتها).
12. إخراج صوت فموي زائد حالة إخفاء النون الساكنة والتنوين عند القاف والكاف للاستعانة به على التطريب كقوله تعالى: (أَن كَانَ) (مِن قَبَل) والصواب إخراج غنة كاملة من الخيشوم.
13. إعادة مقطع قرآني مرات لغير فائدة؛ وذلك لإظهار المهارة في الانتقال من مقام موسيقي إلى آخر.
14. المبالغة في التطريب بالرفع الزائد للصوت إلى أعلى درجاته فوق قدرة القارئ، وهو التكلف المذموم، قال تعالى على لسان نبيه: (وَمَآ أنا مِن المُتَكَلفين) [ص: 86].
أقوال العلماء عن القراءة للمصحف
- « قال الإمام أحمد لما سِْلَ عن القراءة بالألحان: "يُحَسَنهُ بصوته من غير تكلُّف".
- « وعن علي بن أبي طالب؛ رضي الله عنه؛ قال: "إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُكم أن تَقْرؤوا القُرآنَ كما عُلِّمْتُم".
- « وعن عبد الله بن مسعود؛ رضي الله عنه؛ قال: "اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيثم".
أنواع قراء القرآن
أنواع قراء القرآن بالنسبة للمقامات الموسيقية:
قارئ يحسن صوته بالفطرة
1. قارئ يحسن صوته بالفطرة متبعًا أحكام التجويد (سنة) فعمله مسنون وهو مأجور.
قارئ يراعي المقامات الموسيقية ويقدم التجويد عليها
2. قارئ يراعي المقامات الموسيقية ويقدم التجويد عليها عند التعارض (مكروه)؛ لأن ذلك:
أ. بدعة وليس من السنة في شيء.
ب. شغله عن المقصود الأعظم من تلاوة القرآن الكريم وهو التفكّر والتدبّر.
ج. يقوده إلى تعلم الأنغام من أهلها، وأهلها هم أهل الغناء.
قارئ يراعي المقامات من غير تطريب زائد ويقدمها على التجويد
3 قارئ يراعي المقامات من غير تطريب زائد ويقدمها على التجويد عند التعارض (حرام) بإجماع الأئمة.
قارئ يراعي المقامات وَيُطرب ويقدمها على التجويد
4. قارئ يراعي المقامات وَيُطرب ويقدمها على التجويد عند التعارض (حرام) وأشد حرمة.
- وفي الحالتين (3) (4) يأثم القارئ والمستمع الراضي بذلك.
ختاما
إن باب التجويد في منظومة الجزرية لم يكن مجرد أبياتٍ شعرية لحفظ القواعد، بل كان مشروعًا علميًا متكاملاً لخدمة كتاب الله تعالى وضبط تلاوته، حيث جمع بين الأصالة والدقة والوضوح.
لذلك ظل هذا الباب، وما تضمنه من قواعد، مصدر إلهام للدارسين، ودليلًا للقراء على مر العصور، ليبقى علم التجويد وسيلةً لصيانة القرآن الكريم وتلاوته كما أُنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.


شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.