بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الكريم، تم الاعتماد على كتاب شرح الجزرية لتعريف علم التجويد فهو علمٌ يُعنى بتحسين نطق الحروف القرآنية وإعطائها حقها ومستحقها من الصفات والمخارج، على وجهٍ يوافق قراءة النبي ﷺ.
وقد نشأ هذا العلم لحفظ ألفاظ القرآن الكريم من التحريف والتغيير، وازداد عنايةً وتدوينًا مع اتساع رقعة الإسلام ودخول الأعاجم فيه.
أولًا: التجويد في عهد النبي ﷺ والصحابة
في بداية الإسلام، لم يُعرف علم التجويد كمصطلح مستقل، لكنه كان واقعًا تطبيقيًا حيًّا في تلاوة النبي ﷺ للقرآن الكريم، فقد نزل القرآن على سبعة أحرف، وكان جبريل عليه السلام يعرضه على رسول الله ﷺ كل عام في رمضان، وكان النبي يقرأه قراءةً متقنةً مجوَّدة.
وقد نقل الصحابة هذا الأداء كما تلقّوه، فكانوا يُعلّمون الناس القرآن لفظًا وأداءً، ومنهم: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري، وغيرهم من كبار قرّاء الصحابة.
ثانيًا: التجويد في عهد التابعين
في عصر التابعين، ازداد الاهتمام بنقل القرآن بأدائه الصحيح، وظهر في مكة والمدينة والكوفة والبصرة أعلام في القراءة، مثل:
- نافع المدني.
- ابن كثير المكي.
- أبو عمرو البصري.
- عاصم الكوفي.
- حمزة والكسائي.
وكان اهتمامهم منصبًّا على ضبط النطق ومخارج الحروف، دون أن يكون هناك تصنيف مستقل لعلم التجويد.
ثالثًا: بداية تدوين علم التجويد
بدأ تصنيف علم التجويد كمجال مستقل في القرن الثالث الهجري، حيث ظهرت كتب تتناول صفات الحروف ومخارجها. وكان من أوائل من كتبوا فيه:
- الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ) في كتابه العين، والذي وضع فيه أسس علم الصوتيات العربية، ما ساهم لاحقًا في بناء علم التجويد.
- سيبويه (ت 180 هـ) في كتابه الكتاب، والذي أشار فيه إلى صفات الحروف ومخارجها.
- أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ)، له كتاب في القراءات تناول فيه النطق الصحيح، وإن لم يسمّه "تجويدًا".
رابعًا: تطور علم التجويد كمصطلح مستقل
في القرن السادس الهجري، بدأ استخدام مصطلح "علم التجويد" بشكل واضح، وأصبح له قواعد وتعريفات محددة.
وكان أبرز من وضع أسس هذا العلم:
- الإمام أبو عمرو الداني (ت 444 هـ): ألّف كتبًا في التجويد مثل التحديد في الإتقان والتجويد.
- الإمام مكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 هـ): له كتاب الروض في التجويد.
- ابن الجزري (ت 833 هـ)، وهو من أعظم من جمع علم التجويد ووضّحه ونظمه، وله كتاب النشر في القراءات العشر، ومنظومته الشهيرة مقدمة الجزرية، التي قال فيها:
"وَالأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لاَزِمُ ** مَنْ لَمْ يُصحح القُرْآنَ آثِمُ"
وقد عرف ابن الجزري علم التجويد بأنه:
"إعطاء الحروف حقها من الصفات، ومخارجها، وردّ الحرف إلى مخرجه وأصله."
خامسًا: التجويد في العصر الحديث
واصل العلماء عبر العصور شرح علم التجويد وتعليمه، وأُدرج في مناهج التعليم الشرعي، وتم تأليف شروح مبسطة للمبتدئين، مع الاستفادة من الوسائل الحديثة كالتسجيلات الصوتية والدروس عبر الإنترنت.
ومن أشهر كتب التجويد المعاصرة:
- التحفة السمنودية (نظم).
- التحفة في علم التجويد للشيخ سليمان الجمزوري.
- التجويد الميسر لعدد من المؤلفين.
ختاما
إن علم التجويد لم يكن وليد اللحظة، بل هو ثمرة تطور طويل بدأ مع التلقي الشفوي من فم النبي ﷺ، ثم تطور عبر التابعين والقراء الأوائل.
حتى أصبح علمًا قائمًا بذاته، له قواعد وضوابط ومؤلفات، منها شرح الجزرية ويُعد من أشرف العلوم لأنه يُعنى بكلام الله تعالى، ويدخل ضمن قوله تعالى: "وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا" [المزمل: 4].
شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.