يُعد علم التجويد من العلوم الشرعية التي تعتني بكلام الله تعالى، فهو يضبط نطق الحروف والصفات بما ورد عن النبي ﷺ. ومن أهم أبواب التجويد التي اهتم بها العلماء.
أحكام النون الساكنة والتنوين، حيث إن هذين الحرفين كثيرًا ما يردان في القرآن الكريم، وجاءت أحكامهما مفصلة في كتب التجويد وعلى رأسها متن "الجزرية" للإمام ابن الجزري. ويهدف هذا الشرح إلى تبسيط هذه الأحكام وإبراز تطبيقاتها العملية حتى يسهل على القارئ الالتزام بها في تلاوته.
أحكام النون الساكنة والتنوين في ضوء متن الجزرية
سنتناول أحكام النون الساكنة والتنوين كما نظمها الإمام ابن الجزري في متن الجزرية، مع توضيح القواعد والأمثلة التطبيقية التي تساعد القارئ على إتقان التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم.
أحكام النون الساكنة والتنوين
قال النّاظم؛ رحمه الله:
تنوين وَنون
التنوين
التنوين: هو نون ساكنة زائدة تلحقها العربُ آخرّ الأسماءٍ لفظًا لا خطًا، ووصلًا لا وقفا، وعلامته في الخط مضاعفة الحركة. نحو: بيثٌ؛ بيتٍ، بيئًا.
تنبيه
لا يتحرك الحرف الواحد بأكثر من حركة واحدة في الوقت ذاته؛ وما نراه من وجود حركتين فوق أحد الحروف؛ فإنَّ الحركة الأولى منهما هي حركة الحرف؛ والثانية دلالة على تنوينه؛ كما في المثال:
بيتٌ: الضمة الأولى هي ضمة التاء؛ والضمة الثانية هي علامة التنوين.
فمعنى نَوَّنْتُهُ أي جعلت آخره نونًا ساكنة؛ إِذَا التنوين ما هو إلا نون ساكنة؛ لذلك كانت العرب تعامل التنوين معاملة النون الساكنة.
وَنون
النون الساكنة: هي النون الخالية من الحركات؛ التي سكونها ثابت في اللفظ والخط وفي الوصل والوقف؛ وتقع في وسط (الأسماء والأفعال والحروف) أو آخرها.
ما هو الفرق بين النون الساكنة التنوين؟
وجه الشبه بين النون الساكنة والتنوين أن صوتهما عند النطق واحد؛ ولكنَ الفرق بينهما هو:
أحكام النون السَّاكنة والتّنوين
قاعدة
- قرب المخارج بين الحروف قد يكون موجبًا للإدغام؛ وَبُعد المخارج موجب للإظهار وعدم القرب للمخارج وعدم البعد قد يكون موجبًا للإخفاء الذي هو حالة بين الإظهار والإدغام. والفيصل في ذلك الرواية.
- أحكام النون الساكنة والتنوين أحكام لغة عربية وليست من خصائص النص القرآني. فقد كان العرب يُظهرون ويُدغمون ويقلبون ويخفون في كلامهم إذا جاءت النون الساكنة وبعدها أحد حروف الهجاء؛ ولكن بدون تطويل للغنة فجاء القرآن ومط هذه الغنة؛ فالمط من خصائص النص القرآني.
يُلفى: إظهارٌ ادْغامٌ وَقَلْبٌ إِخْفَا
يُلفى
يُلفى: أي (يوجد): عند التقاء (النون الساكنة أو نون التنوين) مع حروف الهجاء (ما عدا الألف) أربعة أحكام: (إظهار - إدغام - قلب - إخفاء).
الحكم الأول: الإظهار
فَعِنْدَ
فَعِنْدَ: ف: هذه فاء التفريع؛ بعد أن أتى الإمام ابن الجزري بأحكام النون الساكنة والتنوين مجملة (إظهار؛ إدغام؛ قلب؛ إخفاء) بدا يُفِرَع ويفصّل فيها.
حرف الحلق
حرف الحلق: يقصد به حروف الحلق الستة؛ وهي: (ء، ه، ع؛ ح؛ غ؛ خ).
أَظْهِر
أَظْهِر: الإظهار
الإظهار: لغة
الإظهار: لغة: البيان.
اصطلاحًا
واصطلاحًا: إخراج كل حرف من مخرجه من غير زيادة في الغنة.
الإظهار الحلقي
إظهار وبيان النون الساكنة والتنوين (مخرجّا وصفة) إذا أتى بعدهما حرف من أحرف الحلق الستة وهي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء.
ملاحظة
يكون الإظهار في كلمة أو كلمتين.
ما هي علامة إظهار النون الساكنة؟
علامة إظهار النون الساكنة: وضع رأس الخاء من غير نقطة فوق النون (ح).
ما هي علامة إظهار التنوين؟
علامة إظهار التنوين: تراكب الحركتين حركة الحرف والحركة الدالة على التنوين.
مثال
الحكم الثاني: الإدغام
الإدغام؛ لغة
الإدغام؛ لغة: الإدخال.
تقول العرب: أدغمت اللّجام في فم الفرس، أي أدخلته في فيها. وتقول أيضًا: أدغمت السيف في غمده.
اصطلاحًا
اصطلاحًا: إيصال حرف ساكن بحرف متحرك بحيث يصيران حرقًا واحدًا مشددًا من جنس الثاني يرتفع عنه المخرج ارتفاعةً واحدة. وذلك أسهل في النطق وأخف في السمع.
وتُدغم النون الساكنة أو التنوين إذا أتى بعدهما حرف من أحرف (يرملون).
أقسام الإدغام حسب الغنة
يقسم الإدغام باعتبار الغنة وعدمها إلى قسمين:
أ. إدغام بلا غنة
أ. إدغام بلا غنة: في اللام والراء.
وَادَّغِمْ في اللأم وَالرًا لا بِغْنَة:
أي أن إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء يُسَمَى إدغام بلا غنة.
لا بِغُنَّةٍِ لزِم
لا بِغُنَّةٍِ لزِم: أي لا يلزم الإتيان بالغنة عند إدغام النون في اللام والراء؛ وذلك في رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية؛ وممكن الإتيان بالغنة من بعض الروايات الأخرى.
أمثلة على إدغام النون الساكنة والتنوين بغير غُنَّةٍِ
ب. إدغام بغنة
ب. إدغام بغنة: في أحرف (يُومِنُ) أو (ينمو).
وَأَدْغِمَنْ بِغُنَّةٍ في يُومِنُ:
أي أن إدغام النون الساكنة أو التنوين في حروف (يومن) يسمى إدغام بغنة؛ نحو:
جميع القرّاء ما عدا خلف عن حمزة فقد قرأ بإدغام الواو والياء بلا غنة.
أقسام الإدغام حسب الكمال والنقصان
ويقسم الإدغام بحسب الكمال والنقصان إلى قسمين:
أ. الإدغام الكامل
أ. الإدغام الكامل: وهو أن تذهب ذات الحرف المدعّم وصفاته؛ ويكون مع أحرف (نرمل).
ب. الإدغام الناقص
ب. الإدغام الناقص: وهو أن تذهب ذات الحرف المدعّم وتبقى صفته وهي الغنة؛ وحرفاه (و» ي).
جمع النوعان معًا
فإن جُمِع النوعان معًاء صارت أنواع الإدغام ثلاثة:
أ. إدغام بغنة كامل وحرفاه الميم والنون.
ب., إدغام بغنة ناقص وحرفاه الواو والياء.
ج. إدغام بلا غنة كامل وحرفاه الراء واللام.
علة الإدغام في حروف (يومن)
في النون: التماثل؛ وفي الميم والواو والياء: التقارب.
وتكون الغنة مع الواو والياء غنة المدغم؛ أي الحرف الأول نحو:
أما الغنة في النون والميم فغنة المدغم فيه؛ وهي النون أو الميم الثانية؛ نحو:
آلية الإدغام بغنة
آلية الإدغام بغنة: ذكرنا سابقًا في مخارج الحروف أنَّ النون نصفان:
1 انصف لساني (ِمُكَمَل).
2 نصف خيشومي (مْكمل) وهو الغنة.
فعند الإدغام بغنة يتحول النصف اللساني إلى مخرج الحرف الآتي بعد النون؛ ويبقى صوت الغنة ظاهرًا مطولًا مصاحبًا لنطق الحرف المدغم؛ فإذا وصل القارئ إلى نطق الحرف المدغم فيه انقطع صوت الغنة المطولة.
إذن لاحظنا أنَّ الإدغام بغنة يمر بمراحل، مثال: من يَعْمَلُ.
- « جزء النون تحول إلى ياء.
- « هذا الجزء الذي تحول إلى ياء يصاحبه عند النطق غنة مطوّلة.
- فإذا انتهى زمن الياء الأولى التي هي أصلها نون وَنُطقَ بالياء الثانية «يَعْمَلْ»؛ لا تخرج معها غنة.
تنبيه
نطق الإدغام الناقص يكون بصوتين معًا: فموي (و؛ ي) وخيشومي؛ وهذان الصوتان لا يطغى أحدهما على الآخر، أي أنهما متساويان.
إلا بكِلْمَةٍ كَدُنْيَا عَنْوَنُوا
إلا بكِلْمَةٍ كَدُنْيَا عَنْوَنُوا: لا تُدغم النون الساكنة في الواو أو الياء إذا اجتمعا في كلمة واحدة؛ وذلك في أربع كلمات في القرآن الكريم:
كلمة (دنيا) وردت في القرآن؛ أما كلمة (عنونوا): لم ترد في القرآن الكريم؛ وأتى بها الناظم رحمه الله لأنه لم يستطع كتابة صنوان أو قنوان وذلك لضرورة الشعر.
تنبيه
1. لا يدغم حفص عن عاصم من طريق الشاطبية النون في الواو حالة الوصل من كلمتي:
أما في رواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة فله فيهما الإظهار والإدغام.
الحكم الثالث: القلب
القلب؛ لغة
القلب؛ لغة: تحويل الشيء عن وجهه.
اصطلاحًا
اصطلاحًا: قلب النون الساكنة أو التنوين عند الباء ميمًا مخفاة بغنة؛ نحو
علة القلب
الإنسان بفطرته يقلب هذه النون ميمًا، لأن الميم حرف وسط بين النون والباء؛ فالميم تشبه النون بالغنة؛ وتشبه الباء بأن مخرجها من الشفتين.
لذا
لذا: حَسُنَ قلب النون إلى ميم لمشاركة الميم الباء في المخرج والنون في الغنة.
كيفية الأداء
لا يوجد فرق بين القلب والإخفاء الشفوي في اللفظ مع مراعاة عدم كزّ الشفتين عند الميم المقلوبة. (مِن بَعْدِ تُقرأ > (ممبعد) نطبق الشفتين على ميم ونجافي عن باء؛ مع تطويل الغنة خشية أن تتحول الميم إلى باء.
ملاحظة
ممكن أن يكون القلب في كلمة واحدة أو بين كلمتين.
علامة قلب النون الساكنة
علامة قلب النون الساكنة في ضبط المصحف: وضع ميم صغيرة فوق النون بدل السكون.
علامة قلب التنوين
علامة قلب التنوين في ضبط المصحف: وضع ميم صغيرة بدل الحركة الثانية وهي الحركة الدالة على التنوين.
الحكم الرابع: الإخفاء
كذا
كذا: يعني: أيضًا بغنة في الإخفاء.
الإخفاء؛ لغة
الإخفاء؛ لغة: الستر.
اصطلاحًا
اصطلاحًا: النطق بحرف بصفة بين الإظهار والإدغام، عارٍ عن التشديد؛ مع بقاء الغنة في الحرف الأول.
1- فمعنى (بصفة بين الإظهار والإدغام)
أي فيه شبةٌ بالإظهار (من حيث بقاء الغنة) وشبه" بالإدغام (أن الفم تهياً إلى مخرج الحرف الآتي بعد النون؛ وكأن المخرج ارتفع ارتفاعة واحدة عن الحرفين)؛ وفيه أيضًا مخالفة لهما. وهذا يظهر في الجدول الآتي.
2- ومعنى (عار عن التشديد)
هذه العبارة أخرجت الإدغام الكامل لأن الإدغام الكامل فيه تشديد؛ أي يبقى صوت الحرف المُخفى مُستقلًا عن صوت الحرف المُخفى عنده.
3- ومعنى (مع بقاء الغنة في الحرف الأول)
أي يبقى صوت الغنة مع الحرف المُخفى ولا يكون مع صوت الحرف المخفى عنده.
معنى كون الإخفاء حالة بين الإظهار والإدغام
حروف الاخفاء
تُخفى النون الساكنة والتنوين بغنة كاملة عند 15 حرفًا جمعها الشيخ سليمان الجمزوري في أوائل كلمات هذا البيت:
ملاحظة
ممكن أن يكون الإخفاء في كلمة واحدة أو بين كلمتين؛ والتنوين لا يكون إلا في كلمتين.
علة الإخفاء
حروف الإخفاء ليست قريبة فتدغم وتسقط النون بالكلية؛ ولا بعيدة فتظهر النون بقسميها، فكان لها حكم جديد بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء.
آلية الإخفاء
1- تهيئة الفم على مخرج الحرف الآتي بعد النون.
2- يُصاحب ذلك غنة كاملة الطول من الخيشوم.
3- ويُصاحبه أيضا صويت من الفم بسبب عدم انغلاق مخرج النون (الجزء اللساني) إلا في القاف والكاف فلا يخرج الصويت الفموي لكمال الانغلاق عندهما.
4- نضغط ونقرع مخرج الحرف التالي الذي أخفيت النون عنده؛ ويكون صافيًا ولا يصاحبه أي غنة.
علامة إخفاء النون الساكنة في ضبط المصحف
علامة إخفاء النون الساكنة في ضبط المصحف: تجريد النون من السكون مع عدم تشديد الحرف التالي.
علامة إخفاء التنوين في ضبط المصحف
علامة إخفاء التنوين في ضبط المصحف: تتابع الحركتين مع عدم تشديد الحرف التالي.
أمثلة على إخفاء النون الساكنة والتنوين
عند الإخفاء يراعى:
أن يكون صوت النون المخفاة مفخَّمًا إن جاء بعده حرف مفخم؛ نحو:
ويكون صوتها مرققًا إن جاء بعده حرف مرقق؛ نحو:
أبرز الأخطاء التي تحدث عند نطق النون الساكنة والتنوين:
الفرق بين الإدغام والإخفاء:
ختاما
إن إتقان أحكام النون الساكنة والتنوين من أساسيات علم التجويد التي ينبغي لكل قارئ للقرآن أن يتعلمها ويعمل بها، فهي تحفظ التلاوة من اللحن وتقرّبها من الأداء الصحيح المأثور عن رسول الله ﷺ.
ومن خلال دراسة متن الجزرية والوقوف على شروحه، يكتسب الطالب أساسًا متينًا في هذا الباب، مما يساعده على تحسين تلاوته والارتقاء بها نحو الإتقان.
شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.