يُعَدُّ بابُ الوقف على أواخرِ الكلم من الأبوابِ المهمة في علم التجويد، إذ يتعلّق بكيفية إنهاء القارئ للكلمة عند التوقف عليها أثناء التلاوة.
وقد اعتنى الإمام ابن الجزري رحمه الله بهذا الباب في منظومته المباركة المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه، لما للوقف من أثرٍ بالغ في سلامة النطق، وصحة الأداء، وحسن الفهم للمعاني القرآنية.
فالوقف الصحيح يُظهر جمال التلاوة ويمنع اللحن الذي قد يغيّر المعنى أو يُخلّ بجلال كلام الله تعالى.
الروم والإشمام
بعد أن بِيِّن الإمام ابن الجزري؛ رحمه الله أحكام التجويد؛ بيِّن أنه لا بد من معرفة الوقوف والابتداء؛ ثُمٌ بيّن لنا مباحث تتعلق بالوقف والابتداء. من جملة ذلك:
ما رْسمَ في القرآن مقطوعًا وما رُسِمَ موصولًا؛ وثنَّى بعد ذلك بباب هاء التأنيث التي كُتِبَت تاءً؛ ثم انتقل إلى مبحث له علاقة بالابتداء وهو مبحث همزة الوصل، ثُمَّ أتى بهذا المبحث الأخير وهو يتعلق بالوقف على أواخر الكلم.
عندما يتكلم الإنسان فإنه يتكلم بهواء الزفير الخارج من الرئتين وهذه الكمية من الهواء محدودة تنفذ وتنتهي؛ لذلك لابد للمتكلم أن يقف ويستريح ويأخذ نفسًا ليتابع الحديث؛ فالوقف محل استراحة.
وفي فترة من الفترات؛ كان المتكلم عندما يقف على كلمة؛ يقف بالحركة الكاملة؛ فمثلًا (ذهبت إلى البيتِ) يقف بالكسرة و(حفظت الدرسَ) يقف بالفتحة؛ و(هذا البحرُ) يقف بالضمة. لكن مع مرور الزمن؛ والإنسان بطبيعته يميل إلى السهولة؛ بدا يخفض صوته عندما يريد أن يقف؛
فينطق الحركة ولكن بصوت منخفض وهذا ما يسمى بالروم. وبعد فترة أصبح الإنسان يكتفي بالإشارة بفمه؛ فيقف بالسكون مع ضم الشفتين من غير صوت إن كان الحرف الموقوف عليه مضمومًا، وهذا ما يسمى بالإشمام.
ثم أنت مرحلة الوقف بالسكون فقط من غير صوت ولا حركة سواء كان الحرف الموقوف عليه مضمومًا أم مفتوحًا أم مكسورًا، طالما أن المخاطب له يفته شيء من المعنى.
والقرآن العظيم نزل بفترة كان قد غاب عن كلام العرب الوقف بالحركة الكاملة ولم يعد موجودًا، وبقي قليل ممن يقف بالروم أو بالإشمام؛ وأغلب القبائل كانت تقف بالسكون بالفطرة.
لكن العرب لم تكن تقف بالرَّوم والإشمام على كل الكلمات فهناك كلمات لا يدخلها الرَّوم والإشمام سيأتي ذكرها لاحقًا.
بحث الروم والإشمام
بحث الروم والإشمام بحث تكميلي يحتاج إليه المتخصصون في تلاوة القرآن العظيم الذين تصدوا لنقل هذا العلم، ويحتاجون إلى فهمه نظريًا وأدائه عمليًا. ونستطيع أن نقرأ القرآن كله من أوله لآخره من غير روم ولا إشمام إلا كلمة مَل في سورة يوسف.
كيف نقف بالروم والاشمام؟
الروم والإشمام كيفيتان من كيفيات الوقف ويقصد منهما:
1. بيان حركة الحرف الموقوف عليه سواء ضم؛ نحو: «آلرَّحْمَنُ»؛ أو كسر؛ نحو: «آلرَّحْمَنِ»
2. التفريق بين ما هو ساكن أصلًاء نحو: «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ»؛ وما هو ساكن وقفًا، نحو: «أَحَدٌ».
قال الإمام الجزري:
وَحَاذِرِ الوَقْفَ بِكُلِّ الْحَرَكَهْ
وَحَاذِرِ الوَقْفَ بِكُلِّ الْحَرَكَهْ: حاذر بمعنى احذر على وزن فاعل؛ اسم فعل أمر بمعنى احذر الوقف بكل الحركة؛ لأنه لم يفعل أحد ذلك في زمن النبوَّة.
لا تقفُ العربُ بالحركة الكاملة؛ بل يَقِفُونَ:
1. بالسكون المجرد (المحض)
2. بالروم
3. بالإشمام
إلا إِذَا رمْتَ فَبَعْضُ الْحَرَكَه
إلا إِذَا رمْتَ فَبَعْضُ الْحَرَكَه: رام الشيء أراده؛ ورام الحركة أي أتى ببعضها، لذلك الرّوم عند القرّاء: نطق الحركة بصوت منخفض.
ما هو الروم؟
الرَّوم:
الروم لغة
أتى ببعض الحركة.
الروم اصطلاحا
الروم: هو خفضُ الصوت عند الوقف على الضمة أو الكسرة بحيث يذهب معظم صوتهما (يذهب ثلثا الصوت ويبقى الثلث يسمعه القريب دون البعيد) نحو:
قاعدة هامة
قاعدة هامة: الرُوم حكمة حكمُ الوصل:
1. فلا يُمدُ معه العارضُ للسكون. بل يُقصرُ كالوصل.
2. ويُعاملُ الحرفُ الموقوفُ عليه من حيث التفخِيمُ والترقيقُ كما يُعاملُ في الوصل نحو:
عند الوقفِ بالرَّوم
عند الوقفٍ بالرّوم على الحرف المنون المضموم أو المكسور فإنّنا نحذفُ التنوين ونقف ببعض الضمة في المضموم؛ وببعض الكسرة في المكسور. نحو:
إلا إِذَا رُمْتَ فَبَعْضُ الْحَرَكَهْ إلا بفَتْحٍ أَوْ بِنَصْبٍ
إلا إِذَا رُمْتَ فَبَعْضُ الْحَرَكَهْ إلا بفَتْحٍ أَوْ بِنَصْبٍ: يعني المفتوح والمنصوب. لا يصح أن تُبَعَّضَ الفتحة فالفتحة عند الوقف لم يكن القرَّاء يُبَعِضُونهَا أي كانوا لا يقفون بفتحة صوتها منخفض بل يقفون بالسكون.
بفَتْحٍ: أي علامة بناء؛ بِنَصْبٍ: أي علامة إعراب.
ما الفرق بين علامة الإعراب وعلامة البناء؟
ما المقصود بعلامة الإعراب وعلامة البناء:
تعريف الإعراب
الإعراب: هو تغير حركة الحرف الأخير من الكلمة بتغير موقعها في الجملة.
فبدلًا من أن يقال: (مفتوح) يقال: منصوب؛ وبدلًا من أن يقال: (مضموم) يقال: مرفوع (فاعل مرفوع)؛ وبدلًا من أن يقال: (مكسور) يقال: مجرور؛ (بالبيت)؛ البيت: اسم مجرور.
تعريف البناء
أما البناء: فهو ما لا يتغير حركة آخره بتغير موقعه في الجملة.
نحو: (هؤلاء).
كل الأفعال الماضية (التي لم تتصل بها ضمائر متصلة كواو الجماعة ونون النسوة وتاء الفاعل المتحركة) مثل: (ذهبَ، نامَ، درسَ)؛ هي دائمًا مبنية على الفتح.
إذن؛ الإعراب يشمل: الرفع والنصب والجر.
والبناء يشمل: الضم والفتح والكسر.
الخلاصة
تعريف الإشمام
الإشمام:
الاشمام لغة
لغة: مأخوذُ من أشممتُه الطّيب؛ أي أوصلتَ إليه شيتًا يسيرًا من رائحته.
الاشمام اصطلاحا
واصطلاحًا: هو ضم الشفتين بُعَيدَ تَسكينِ الحرفِ المضمومِ أو المرفوع كهيئتيهما عند النطق بالضمة من غير صوتٍ؛ ولا يدركه المكفوف»؛ نحو:
وَأَشِمّ إشارة بالضمِّ فِي رَفْعٍ وَضَمّ: أي بضم الشفتين عندما نقف على كلمة آخرها ضمة سواء كانت الضمة علامة بناء أم علامة إعراب.
قاعدة هامة
قاعدة هامة: الإشمام حكمه حكم الوقف بالسكون
1. فيُمَدُّ معه العارض للسكون 2 أو 4 أو 6 حركات.
2. ويُعامل الحرف الموقوف عليه بالإشمام من حيث التفخيم والترقيق كما يُعامل في الساكن؛ نحو:
تنبيه
حكم (ِتَأمَننَّا)
مقارنة بين الاختلاس والروم
ما لا يدخله الرَّومُ والإشمامُ
قاعدة: لا يكونْ الرَّومُ والإشمامُ في:
1. الساكن سكوتًا أصليًا وقفا ووصلًا.
2. المنصوب والمفتوح.
3. هاء التأنيث المكتوبة هاءً.
أما هاء التأنيث المكتوبة تاءً فيدخلها الروم والإشمام:
كما سبق ذكره؛ كُتِبّت بعض هاءات التأنيث في المصحف الشريف بالتاء المبسوطة؛ على لهجة بعض العرب الذين يقفون عليها بالتاء. ورّوى حفص الوقف عليها، اضطرارًا أو اختبارًا، بالتاء كذلك.
4. ميم الجمع على قراءة الصلة؛ نحو:
قرأ بعض القرّاء العشرة بصلة ميم الجمع بواوٍ لفظًا في حال الوصل على لهجة بعض العرب، فإذا وقفوا سكّنوا الميم؛ هكذا: «عَلَيْهِمْ» ولا يدخل الرَّومُ ولا الإشمامُ على هذه الميم.
5. الحركة العارضة (غير الأصلية التي تكون للتخلص من التقاء الساكنين)؛ نحو:
لا يدخل الرَّومُ ولا الإشمامُ على الحركة العارضة (غير الأصليَّة) ويوقف عليها بالسكون فقط.
وهذا النوع هو المسمّى عند العلماء (عارض الشكل) أي: الشكل الذي عرض للحرف وصلًَا بقصد التخلص من التقاء الساكنين.
ومن هذا النوع كلمتيّ:
لأن الذال فيهما ساكنة وإنما كسرت من أجل ملاقاتها سكون التنوين؛ فلما وقف عليها، زال التنوين الذي من أجله كسرت فعادت الذال إلى أصلها وهو السكون. فنقف عليهما بالسكون المحض ولا يدخلهما روم ولا إشمام.
عند التقاء الساكنين في كلمتين على رواية حفص
عند التقاء الساكنين في كلمتين على (رواية حفص) فإننا ننظر إلى الحرف الأول فإن كان:
عند التقاء الساكنين في كلمة واحدة فإن كان الساكن الأول:
ما هو مذاهب القرّاء في الرّوم والإشمام بالنسبة لهاء الضمير؟
مذاهب القرّاء في الرّوم والإشمام بالنسبة لهاء الضمير:
ما هي هاء الضمير؟
هاء الضمير: هي الهاء التي يُكُنَى بها عن الغائب المفرد المذكر وتكون مضمومة أو مكسورة؛ نحو قوله تعالى:
ولأئمة القراءة في دخول الرّوم والإشمام عليها ثلاثة مذاهب:
1- المنع مطلقًا.
2- الجواز مطلقًا.
3- مذهب التفصيل وهو الراجح.
مذهب التفصيل للرّوم والإشمام في هاء الضمير
مذهب التفصيل للرّوم والإشمام في هاء الضمير:
لا يأتي الرّوم ولا الإشمام في هاء الضمير إذا سُبِقَت:
إذا كان قبل الهاء المضمومة واو ساكنة (مدية أو ليّنة) أو ضمة امتنع الروم والإشمام (حركة الهاء مجانسة لما قبلها).
إذا كان قبل الهاء المكسورة ياء ساكنة (مدية أو ليّنة) أو كسرة امتنع الروم والإشمام (حركة الهاء مجانسة لما قبلها)؛ لما فيه من الثقل.
أما إذا لم تكن حركة الهاء مجانسة لما قبلها ففيها روم وإشمام؛ نحو:
ويأتي الرّومُ والإشمامُ في هاء الضمير إن سُبِقَتْ:
أنواع الوقف على صحيح الآخر
ختاما
يظهر لنا جليًّا أن باب الوقف على أواخر الكلم ليس مسألةً شكلية، بل هو أصلٌ من أصول الإتقان في تلاوة القرآن الكريم. فبفهم قواعده والعمل بها، يحفظ القارئ لسانه من الخطأ، ويؤدي كلام الله تعالى كما أُنزل وكما نُقل عن القرّاء المتقنين.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يرزقنا حسن التلاوة وصحة الأداء.


.webp)


























شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.