العبادات في الإسلام لا تقتصر على الصلوات والزكاة والصيام والحج، بل تمتد لتشمل كل حركة وسكون إذا اقترنت بالنية الصالحة، ومن العبارات العظيمة التي أُمر بها المسلم وجُعلت مفتاحًا للبركة والقبول.
البسملة – أي قول: "بسم الله الرحمن الرحيم". فما حكم التعود على قولها في كل أمر؟ وما الفوائد التي يجنيها المسلم من جعلها عادة دائمة في حياته؟
في هذا المقال، نعرض حكم التعود على البسملة، مع بيان أثرها في التقوى، والتوكل، والحماية من الشرور، إلى جانب فوائدها النفسية والتربوية والسلوكية، مستندين إلى القرآن الكريم، السنة النبوية، وأقوال العلماء.
أولًا: ما معنى البسملة؟
البسملة هي اختصار لعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم". وتتكون من:
"بسم الله": أي أبدأ عملي مستعينًا بالله.
"الرحمن الرحيم": وصفان لله تعالى يدلان على الرحمة الواسعة التي تعمّ كل شيء.
وقد جاءت هذه الصيغة في أول سورة في المصحف الشريف (سورة الفاتحة) كما تتكرر في بداية كل سورة ما عدا سورة التوبة، مما يدل على مكانتها العظيمة.
ثانيًا: حكم قول البسملة قبل كل عمل
1. في العبادات
- الصلاة: الجمهور على استحباب البسملة قبل الفاتحة في الصلاة.
- الوضوء: ذهب كثير من العلماء إلى أن التسمية شرط أو سنة مؤكدة.
- الذبح: البسملة شرط لصحة الذبيحة، ومن نسيها عمدًا لا تحل ذبيحته.
2. في العادات اليومية
مثل الأكل، الشرب، الدخول والخروج، الجماع، دخول الخلاء، ركوب السيارة، بدء الدراسة أو العمل... إلخ.
ورد في الحديث:
قال النبي ﷺ: "كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله، فهو أبتر" (رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني).
استنباط الحكم: يستحب أن يبدأ المسلم كل أعماله بالبسملة؛ لما فيها من الاستعانة والتبرك وطلب التوفيق، وهي سنة قولية وفعليه.
ثالثًا: التعوذ على البسملة: هل هو مستحب أم لا؟
الجواب:
التعود على البسملة مستحب شرعًا، بل من السنن المهجورة التي ينبغي إحياؤها، ولا يُعد بدعة.
التعود على ذكر الله من أعظم القربات، قال الله تعالى:
"واذكر ربك كثيرًا" [الأنفال: 45].
فكلما داوم المسلم على البسملة، كان ذلك علامة على تعظيمه لله واستحضار معيته.
رابعًا: فوائد التعوذ والبسملة في حياة المسلم
1. الاستعانة بالله في كل شأن: قول "بسم الله" هو إعلان توكل وطلب معونة، فالمسلم حين يتلفظ بها قبل أي عمل، إنما يُسلم أمره لله، مما يجلب الطمأنينة والسكون النفسي.
2. البركة في الأعمال:ىجاء في الحديث: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء" (رواه مسلم).
أي أن البسملة تحجز الشيطان وتمنع عنه التأثير في الأكل والنوم والرزق.
3. الوقاية من الشيطان والشرور: قال النبي ﷺ: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله" (رواه الترمذي).
فالبسملة تمنح حصانة روحية تحجب العبد من وساوس الشياطين وشرورهم.
4. تربية النفس على التوكل: التعود على قول "بسم الله" يُعلِّم النفس الاعتماد على الله في كل صغيرة وكبيرة، مما يُربّي المسلم على الخشوع والافتقار إلى الله.
5. تنمية الوعي والنية الصالحة: عند التعود على البسملة، يبدأ المسلم في ربط الأفعال الدنيوية بالمقاصد الشرعية.
على سبيل المثال: قول "بسم الله" عند لبس الثياب يُذكر المسلم بنعمة الكسوة، وعند ركوب السيارة يُذكره بنعمة السير والنقل.
6. تنظيم الحياة وربطها بالله: البسملة تجعل المسلم واعيًا ومخططًا؛ إذ لا يبدأ عملًا إلا وهو يقظ ومتوكل، ما يمنحه تركيزًا ووضوح نية.
7. تزكية اللسان والبعد عن اللغو: من تعود على ذكر الله – ومنه البسملة – تطهّر لسانه من الفحش والكذب والغيبة، لأن اللسان لا يجتمع فيه الذكر والمعصية بسهولة.
خامسًا: أمثلة عملية على التعود على البسملة
1. في المنزل
- قبل فتح الباب: "بسم الله".
- قبل تشغيل الأجهزة أو الهاتف: "بسم الله".
- قبل الأكل أو تقديم الطعام للأطفال.
2. في المدرسة أو العمل
قبل البدء في الدراسة أو فتح الكتاب.
عند إرسال بريد إلكتروني، أو فتح تطبيق جديد.
3. في المواصلات
قبل قيادة السيارة أو ركوب الدراجة أو الحافلة.
4. في العلاقات الأسرية
قبل معانقة الزوج أو الزوجة، أو تقبيل الطفل، أو الجلوس مع العائلة.
سادسًا: هل في التعوذ والبسملة تكلف؟
البعض قد يظن أن تكرار قول "بسم الله" في كل شيء نوع من التشدد أو الوسوسة. والجواب:
الشرع يحب الإكثار من الذكر، ما دام بلا غلو.
التعود لا يعني التلفظ بشكل آلي، بل استحضار المعنى ولو للحظات.
النبي ﷺ كان يذكر الله على كل أحيانه (رواه مسلم)، وقد أمر بذلك الصحابة.
سابعًا: كيف أُعوّد نفسي وأبنائي على البسملة؟
1. التدرج
ابدأ بالتعوّد على قولها في مواضع محددة (عند الطعام، دخول المنزل، لبس الثياب).
2. القدوة
كن قدوة لأولادك وزوجك بقولها بصوت مسموع.
3. الملصقات
ضع ملصقات فيها “بسم الله” في المطبخ، الباب، السيارة، دفاتر الأبناء.
4. المكافأة
اجعل من قول البسملة عادة يُكافأ عليها الطفل، ليربطها بالسلوك الإيجابي.
5. الربط بالقصص
اربطها بقصص واقعية أو نبوية مثل قصة الجارية التي قال لها النبي ﷺ:
"يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك..." (رواه البخاري).
ثامنًا: أقوال العلماء في فضل البسملة
قال ابن القيم رحمه الله:
"البسملة لها شأن عظيم، وهي من أعظم أسباب البركة".
وقال القرطبي:
"استعمالها عند كل عمل مشروع وسنة مأثورة عن رسول الله ﷺ".
الإمام النووي:
"التسمية مستحبة في جميع الأحوال، وقد أمر بها في مواضع كثيرة".
قال ابن الجزري رحمه الله – وهو من كبار أئمة القراءات والتجويد – كلامًا مهمًا في شأن البسملة، وبيَّن حكمها في التلاوة، خصوصًا عند وصل السور أو الابتداء بها، وذكر ذلك في منظومته الشهيرة "الطيبة"، حيث قال:
"ولا وصلها بالقطع، والإبداء بدَا ... وكلُّهم بسمل بين السورِ"
ما حكم التعود وقول البسملة عند قراءة القرآن؟
✳️ أولًا: معنى التعود على البسملة في القرآن
"التعود" المقصود هو أن يجعل القارئ البسملة عادة دائمة عند تلاوة القرآن، سواء في أول القراءة أو عند الانتقال من سورة إلى أخرى.
✳️ ثانيًا: حكم البسملة عند قراءة القرآن
📖 1. عند بداية التلاوة
من السنة أن يبدأ القارئ بالتعوذ ثم البسملة إذا بدأ من أول السورة (ما عدا سورة التوبة).
قال تعالى:
"فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" [النحل: 98]
والبسملة ثبتت في أوائل السور جميعًا ما عدا "التوبة"، لذلك يُستحب قولها.
قال الإمام النووي رحمه الله:
"يُستحب أن يقول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ".
✅ الحكم:
مستحب قول البسملة عند بدء تلاوة سورة من أولها (عدا التوبة)، وهو من سنة النبي ﷺ.
تعود القارئ على ذلك مستحب شرعًا، وهو من تعظيم القرآن وأدب التلاوة.
📖 2. عند بدء القراءة من وسط السورة
إذا بدأ القارئ من وسط السورة، فهل يُبسمل؟
▫️ هناك حالتان:
إذا لم يكن في الموضع اسم من أسماء الله أو آية فيها معنى سيء:
لا يجب أن يبسمل.
الأفضل أن يكتفي بالتعوذ فقط.
إذا كان الموضع يبدأ بكلام فيه وصف لله أو مقام رفيع (مثل "غافر الذنب"، "عليم حكيم"):
يُستحب البسملة، لأنها تُكمل المعنى وتُعطيه توقيرًا.
✅ الحكم:
التعود على البسملة من وسط السورة جائز ومستحب في بعض المواضع، لكن ليس واجبًا دائمًا.
📖 3. عند الانتقال بين السورتين
سبق وذكرنا أن هناك ثلاثة أوجه جائزة للبسملة بين السور:
الوقف على السورة + البسملة + بدء السورة الجديدة.
الوقف على السورة + البسملة موصولة.
وصل الجميع (السورة + البسملة + السورة الجديدة).
✅ الحكم:
البسملة بين السورتين سنة، ويُستحب التعود عليها كما كان يفعل الصحابة والتابعون.
✳️ ثالثًا: متى لا تقال البسملة؟
❌ 1. عند بداية سورة التوبة:
سورة "براءة" (التوبة) لا تُبسمل في أولها بإجماع الصحابة.
قال الإمام مالك:
"ذلك لأن أولها نزل بالسيف، وليس فيها رحمة، فحُذفت البسملة".
❌ 2. إذا وصل القارئ آية بآية من وسط السورة ولا حاجة للبسملة:
لا يقال "بسم الله" في غير موضعها؛ حتى لا يوهم أنها جزء من القرآن.
تاسعًا: الخلاصة والتوصيات
البسملة ليست مجرد لفظ يُقال، بل ثقافة سلوكية ودينية تُعبِّر عن التوحيد والاعتماد على الله.
التعوّد على قولها سنة نبوية، وفعل مبارك، وخلق إيماني يجب أن يُغرس في القلوب منذ الصغر.
فوائدها تربوية، نفسية، سلوكية، روحية، وتمنح المسلم شعورًا دائمًا بالقرب من الله.
ختاما
في عصر طغت فيه الماديات، يحتاج المسلم أن يجد وسائل تُعيده إلى روحانية العلاقة مع الله. و"البسملة" باب عظيم من أبواب الذكر، ووسيلة سهلة وعظيمة للتقرب من الله في كل لحظة. فاجعلها مفتاح يومك، وبداية عملك، وصحبة لسانك، تجد فيها نورًا لا يُطفأ، وبركة لا تنقطع، وتعلم الجزرية.
اللهم اجعلنا من الذاكرين الله كثيرًا، ووفقنا لقول "بسم الله" على كل حال، واجعلها لنا حجابًا من الشر، ومفتاحًا للخير، في شرح الجزرية.


شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.