مقدمة ابن الجزري تُعرف أيضًا بـ المقدمة الجزرية، وهي منظومة شعرية في علم التجويد، ألّفها الإمام محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري (751هـ – 833هـ)، أحد أعلام القراء وأئمة علم التجويد والقراءات في القرن التاسع الهجري.
اسمها الكامل: منظومة المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه، واشتهرت باسم "المقدمة الجزرية"، هي أبيات على وزن الرَّجز.
موضوعها: قواعد التجويد وأحكام التلاوة، مثل مخارج الحروف، الصفات، أحكام النون الساكنة، الميم، المدود، والترقيق والتفخيم، وغير ذلك مما يحتاجه قارئ القرآن.
سبب تأليف مقدمة ابن الجزري
الإمام ابن الجزري كتب هذه المقدمة لتكون مرجعًا سهل الحفظ لطلاب القرآن، حيث جمع فيها أهم أحكام التجويد باختصار مع ترتيب جميل، حتى أصبحت من أشهر المتون في هذا العلم.
تُدرس في أغلب معاهد ودور تحفيظ القرآن حول العالم، حفظها وفهمها يُعتبر أساسًا قويًا لإتقان علم التجويد، شروحها كثيرة جدًا، منها شرح الطيبة وفتح الأقفال والتحفة الجلية.
مقدمة ابن الجزري
قال الناظم، رحمه الله:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
استفتح ابن الجزري منظومته الجزرية بالبسملة، فهي جزء منها، فعلى من يحفظها أن يبدأ بالبسملة. فقد افتتح ابن الجزري بالبسملة، ثم أتبعها بالحمدلة اقتداءً بالكتاب العزيز.
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم: شعار المسلمين عملًا بقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:
"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) فهو أبتر"، أي مقطوع البركة.
توضيح المعاني والمقاصد
اسم
اسم: مشتقة من سَمَوَ (أي وضع علامة) أو من سَمَا (أي ارتفع سموًا).
بسم
بسم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف تقديره (أبتدئ بـاسم الله) أو (ابتدائي يكون باسم الله).
الله
الله: اسم الذات العلية خالق الأكوان وموجدها، جل جلاله.
قيل: أصله (الإله) وهو اسم علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، وهو اسم مستلزم لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا، دل على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبةً وتعظيمًا، ويفرغ إليه في الحوائج والنوائب، مستلزم لجميع صفات الكمال.
الرَّحْمَن الرَّحِيم
الرَّحْمَن الرَّحِيم: وصفان بُنيا من الرحمة للمبالغة بوزن فَعْلان وفعيل، وقدم الرحمن لأنه أبلغ، لأن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى.
وأطلق جماعة من العلماء "الرحمن" على مفيض جلال النِّعم، وتشمل الكائنات كلها، البِرَّ والفاجر، والمؤمن والكافر، و"الرحيم" على مفيض دقائقها، وقيل يختص بالمؤمنين يوم القيامة.
شرح الأبيات والمعاني
يَقُولُ رَاجِي عَفْو رَبٍّ سَامِعٍ مُحَمَّدُ بْنُ الجَزَرِيِّ الشَّافِعِي
البيت الأول
يقول
يقول: أي محمد ابن الجزري.
راجي عفو رب
راجي عفوه: مؤمل صفح ربه ومالكه.
سامع
سامع: مجيب، ومنه قول المصلي: "سمع الله لمن حمده". ومنه إسماعيل من اللغة السامية:
اسم مركب (إسماع + إيل) أي استجابة الله.
أي يقول محمد الذي طمع في صفح سيده ومالكه السامع لرجائه أملًا في أن يجيبه تفضلًا وإحسانًا.
محمَّدُ بنُ الجزري
محمَّدُ بنُ الجزري: المعروف من نسبه: محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، فهو وأبوه وجده المباشر أسماؤهم محمد، وهذا بركة فوق بركة.
الجزري
الجزري: نسبة أجداده وهي نسبة إلى جزيرة ابن عمر على نهر دجلة وتسمى في عصرنا: جزيرة بوطان. وأما هو فدمشقي المولد والنشأة، شيرازي الوفاة.
الشافعي
الشافعي: أي شافعي المذهب، نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي.
البيت الثاني
الحمدُ للهِ وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ
الحمد
الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل من نعمة وغيرها. (سواء وقعت هذه النعمة على الحامد أو على غيره).
أما المدح: هو الثناء باللسان على الجميل مطلقًا (عام).
فالمدح أعم مطلقًا من الحمد، إذن (كل حمد مدح وليس كل مدح حمدًا).
لله
لله: هو اسم علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد.
لذا يقال: الحمد لله، لأن أفعال الله كلها اختيارية، والحمد الحقيقي يختص به الله جل جلاله، وهو يجب الحمد فليس ثمة محمود كالله سبحانه وتعالى، لأنه الفاعل المطلق جل جلاله.
وصلى الله
وصلى الله: الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن المؤمنين تضرع ودعاء بخير، والصلاة على النبي ﷺ واجبة في العمر مرة.
كان ينبغي للناظم أن يذكر السلام لأن إفراد الصلاة عليه مكروه، لاقترانهما في قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، فربما لم يذكرها للضرورة الشعرية، أو أنه أضمرها في قلبه.
على نبيه
على نبيه: النبي مشتق من: النبأ وهو الخبر، يعني أصلها مهموز (النَّبِئُ)، والفعل (أنبأ، ينبئ، إنباء) وهو نبيء بمعنى منبئ، أي مخبر عن الله عز وجل.
ملاحظة: النبئ أبدلت همزته ياء ثم أُدغمت الياء في الباء فصار النطق بياء مشددة (النبيّ)، ومع ذلك فإن الإمام نافعًا ومن القراء العشرة يقرأ كلمة (النبيئين) أينما جاءت في القرآن وكيفما تصرفت ويقرؤها مهموزة (النبيئين)، وهي لهجة عربية صحيحة.
وقال علماء آخرون إنها مشتقة من النبوة، وهي الأرض المرتفعة، والنُّبْوَةُ هي الرِّفعة، لأن النبي منحه الله صفة جُملة مرفوع الرتبة عن الخلائق.
النبي
النبي: هو إنسان ذكر حر عاقل أوحي إليه بشرع، وإن لم يؤمر بتبليغه.
أوحي إليه بشرع: أي يطبقه لنفسه فقط ودوره القدوة.
وإن لم يؤمر بتبليغه: أي قد يكون أمر.
الرسول: هو إنسان ذكر حر عاقل أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.
فإن أمر يطبِّقه ولم يؤمر بتبليغه يسمّى نبيًا، وإن أمر بالتطبيق والتبليغ معًا يسمّى نبيًا ورسولاً.
ورد أن عدد الأنبياء كثير بالآلاف بينما عدد الرسل ورد أنه بعدد أهل بدر ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً. إذن فالرسل أقل عددًا من الأنبياء.
أما ما كان أكثر يسمّى باسم العلماء عامًّا، وما كان أقل يسمّى خالصًا، فالأنبياء أعم من المرسلين، والمرسلين أخص من الأنبياء.
تنبيه: النبوة أعم من الرسالة فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً.
وَمُصْطَفاه
وَمُصْطَفاه: من الصفوة وهي الخالص من كل شيء، أي مختاره من بين خلقه.
وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر".
(ولا فخر) يعني ما قلته لأفتخر بذلك عليكم ولكن الله عز وجل أمرني أن أبلغكم من أنا وما معني عنده سبحانه وتعالى، وكلمة ولد آدم دخل تحتها البشرية جمعاء.
وفيه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
وصحح الحاكم: "فأنا من خيار إلى خيار".
ختاما
تفتتح الأبيات الأولى من المقدمة الجزرية بالبسملة، ثم يعرّف الإمام ابن الجزري بنفسه متواضعًا، واصفًا ذاته بعبدٍ راجٍ لعفو الله وسماعه لدعائه، ومبينًا نسبه ومذهبه الفقهي.
بعد ذلك ينتقل إلى حمد الله تعالى، فيثني عليه بالجميل المستحق لجميع المحامد، ويصلي على النبي محمد ﷺ المختار من بين الخلق لتبليغ الرسالة، موضحًا أن الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن المؤمنين دعاء وتكريم.
كما يبين الفرق بين الحمد والمدح، ويشرح أصل كلمة "النبي" ومعنى "المصطفى"، مع الإشارة إلى تنوع القراءات في لفظ "النبي" بين الهمز وعدمه.



شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.